فصل: 1608- باب ما جاءَ في خُلُودِ أَهلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1603- باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَبوابِ الْجَنّة

2605- حَدّثنا الفْضَلُ بنُ الصّبّاحِ البَغْدَادِيّ، حدثنا مَعْنُ بن عِيسَى القَزّازُ عن خَالِدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بَابُ أُمّتِي الّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الْجَنّةَ عَرْضُهُ مَسِريرَةُ الرّاكِبِ الجَواد ثَلاَثاً، ثُمّ إِنّهُمْ لَيُضْغَطُونَ عَلَيْهِ حَتّى تَكَادُ مَنَاكِبُهُمْ تَزُولُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

قال‏:‏ سَأَلْتُ مُحمّداً عن هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفهُ، وَقالَ‏:‏ لِخَالِدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ مَنَاكِيرُ عَنْ سَالِم بنِ عَبْدِ الله‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد بن أبي بكر‏)‏ بن عبيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، فيه لين من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرضه مسيرة الراكب المجود‏)‏ اسم فاعل من التجويد وهو التحسين قيل أي الراكب الذي يجود ركض الفرس من جودته أي جعلته جيداً وفي أساس البلاغة‏:‏ يجوز في صنعته يفوق فيها وأجاد الشيء وجوده أحسن فيما فعل، وجود في عدوه عدا عدوا وجواداً، والمعنى الراكب الذي يجود ركض الفرس وأن يكون مستافاً إليه والإضافة لفظية أي الفرس الذي يجود في عدوه ‏(‏ثلاثاً‏)‏ ظرف مسيره‏.‏ والمعنى ثلاث ليال أو سنين وهو الأظهر لأنه يفيد المبالغة أكثر ثم المراد به الكثرة لئلا يخالف ما ورد من أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، على أنه يمكن أنه أوحى إليه بالقليل ثم أعلم بالكثير، أو يحمل على اختلاف الأبواب باختلاف أصحابها ‏(‏ثم أنهم‏)‏ أي أهل الجنة من أمتي عند دخولهم من أبوابها، فالمراد بالنار جنسه ‏(‏ليضغطون‏)‏ بصيغة المجهول أي ليعصرون ويضيقون ويزحمون ‏(‏عليه‏)‏ أي على الباب ‏(‏حتى تكاد‏)‏ أي تقرب ‏(‏مناكبهم تزول‏)‏ أي تنقطع من شدة الزحام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ ذكر الذهبي هذا الحديث في الميزان في ترجمة خالد بن أبي بكر وقال هذا من مناكيره‏.‏

1604- باب ما جَاءَ في سُوقِ الْجَنة

2606- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرنَا هِشَامُ بنُ عَمّارٍ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنُ حَبِيبِ بنِ أَبي العِشْرِينَ، أَخْبَرنَا الأَوْزَاعِيّ، حدثنا حَسّانُ بنُ عَطِيّةَ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ‏:‏ ‏"‏أَنّهُ لَقِيَ ابَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ أَسْأَلُ الله أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ في سُوقِ الْجَنّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ‏:‏ افِيهَا سُوقٌ‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنّ اهْلَ الْجَنّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمّ يُؤْذَنُ في مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا فَيَزُورُونَ رَبّهُمْ وَيَبْرُزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدّى لَهُمْ في رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورِ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمنَابِرُ مِنْ فِضّةٍ وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيٍ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ وَالكَافُورِ ومَا يُرَوْنَ أَنّ أَصْحَابَ الكَرَاسيّ بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِساً‏.‏

قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ قلت‏:‏ يَا رَسُولَ الله‏:‏ وَهَلْ نَرَى رَبّنَا‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ، قال هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤيَةِ الشّمْسِ وَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ‏؟‏ قُلْنَا لاَ، قَالَ‏:‏ كَذَلِكَ لاَ تَتَمَارَوْنَ في رُؤْيَةِ رَبّكُمْ، وَلاَ يَبْقَى في ذَلِكَ المَجْلِسِ رَجُلٌ إِلاّ حَاضَرَهُ الله مُحَاضَرَةً حَتّى يَقُولَ لِلْرّجُلِ مِنْهُمْ يَا فُلاَنَ بنَ فُلاَنٍ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيُذَكّرُهُ بِبَعْضِ غَدَرَاتِهِ في الدّنْيَا، فَيَقُولُ يَا رَبّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي‏؟‏ فَيَقُولُ بَلَى فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذَهِ، فَبَيْنَما هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتُهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ فَأَمْطَرَطتْ عَلَيْهِمْ طِيباً لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحهِ شَيْئاً قَطّ، وَيَقُولُ رَبّنَا تبارك وتعالى قُومُوا إِلَى مَا أَعَدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الكَرَامَةِ فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَنَأَتِي سُوقاً قَدْ حَفّتْ بِهِ المَلاَئِكَةُ فِيهِ مَالَمْ تَنْظُرْ العُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ وَلَمْ تَسْمَعْ الاَذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ، فَيُحْمَلَ إِلَيْنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهَا وَلاَ يُشْتَرَى وَفِي ذَلِكَ السّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً‏.‏ قَالَ فَيُقْبِلُ الرّجُلُ ذُو المَنْزِلَةِ المرْتَفِعَةِ فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ الّلبَاسِ فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتّى يَتَخَيّلَ إليه مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا، ثُمّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَتَلَقّانَا أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ مَرْحَباً وَأَهْلاً لَقَدْ جِئْتَ وَإِنّ بكَ مِنَ الْجِمَالِ أَفْضَلَ مِمّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ‏:‏ إِنّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبّنَا الْجَبّارَ، وَيَحِقّ لَنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَقد روى سويد بن عمروٍ عن الاوزاعي شيئاً من هذا الحديث‏.‏

2607- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَهَنّادٌ، قَالاَ‏:‏ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عن النّعْمَانِ بنِ سَعْد، عن عَلِيٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ في الْجَنّةِ لَسُوقاً مَا فِيهَا شِراء وَلاَ بَيْع إِلاّ الصّوَرَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فيها‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏أخبرنا هشام بن عمار‏)‏ بن نصير السلمي الدمشقي الخطيب صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح من كبار العاشرة قاله في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين وغيره، وروى عنه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ وروى الترمذي عن البخاري عنه ‏(‏أخبرنا عبد الحميد بن حبيب ابن أبي العشرين‏)‏ الدمشقي أبو سعيد كاتب الأوزاعي ولم يرو عن غيره صدوق ربما أخطأ قال أبو حاتم‏:‏ كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال سعيد أفيها‏)‏ أي في الجنة ‏(‏سوق‏)‏ يعني وهي موضوعة للحاجة إلى التجارة ‏(‏أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن‏)‏ قال القاري‏:‏ بالفتح في أصل السيد وغيره وفي نسخة يعني من المشكاة بالكسر على الحكاية أي الخبر هو قوله إن أو التقدير قائلا إن ‏(‏أهل الجنة إذا دخلوها‏)‏ أي الجنة ‏"‏نزلوا فيها‏"‏ أي في منازلها ودرجاتها ‏"‏بفضل أعمالهم‏"‏ أي بقدر زيادة طاعاتهم لهم كمية وكيفية ‏(‏ثم يؤذن‏)‏ أي لأهل الجنة ‏"‏في مقدار يوم الجمعة‏"‏ أي في مقدار الأسبوع‏.‏ والظاهر أن المراد يوم الجمعة فإنه ورد الأحاديث في فضائل يوم الجمعة أنه يكون في الجنة يوم جمعة كما كان في الدنيا ويحضرون ربهم إلى آخر الحديث كذا في اللمعات وقال القاري‏:‏ أي قدر إتياته والمراد في مقدار الأسبوع انتهى ‏"‏فيزورون ربهم‏"‏ أي ‏"‏ويبرز‏"‏ من الإبراز ويظهر ربهم ‏(‏ويتبدى لهم‏)‏ بتشديد الدال أي يظهر ويتجلى ربهم لهم ‏"‏فتوضع لهم منابر‏"‏ أي كراسي مرتفعة ‏(‏ومنابر من زبرجد‏)‏ بفتح زاي وموحدة فراء ساكنة فجيم مفتوحة جوهر معروف ‏(‏ومنابر من ذهب ومنابر من فضة‏)‏ أي بحسب مقادير أعمالهم ومراتب أحوالهم ‏"‏ويجلس أدناهم‏"‏ أي أدونهم منزلة ‏(‏وما فيهم دنى‏)‏ أي والحال أنه ليس في أهل الجنة دون وخسيس قال الطيبي رحمه الله‏:‏ وهو تتميم صوناً لما يتوهم من قوله أدناهم الدناءة والمراد به الأدنى في المرتبة ‏"‏على كثبان المسك‏"‏ بضم الكاف وسكون المثلثة جمع كثيب أي تل من الرمل المستطيل من ثبت الشيء إذا جمعته ‏"‏والكافور‏"‏ بالجر عطف على ‏"‏المسك ما يرون‏"‏ بصيغة المجهول من الإرادة والضمير إلى الجالسين على الكثبان أي لا يظنون ولا يتوهمون ‏"‏أن أصحاب الكراسي‏"‏ أي أصحاب المنابر ‏"‏بأفضل منهم مجلساً‏"‏ حتى يحزنوا بذلك لقولهم على ما في التنزيل‏.‏ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، بل إنهم وافقون في مقام الرضا ومتلذذون مجال التسليم بما جرى القضاء ‏"‏هل تتمارون‏"‏ تفاعل من المرية بمعنى الشك أي هل تشكون ‏"‏من رؤية الشمس‏"‏ وفي بعض النسخ في رؤية الشمس أي في رؤيتكم الشمس ‏"‏والقمر‏"‏ أي وفي رؤية القمر ‏(‏ليلة البدر‏)‏ واحترز عن الهلال وعن القمر في غير ليالي البدر فإنه لم يكن حينئذ في نهاية النور ‏"‏قلنا لا‏"‏ أي لا نشك في رؤية الشمس والقمر ‏"‏إلا حاضرة الله محاضرة‏"‏ قال التوربشتي رحمه الله‏:‏ الكلمتان بالحاء المهملة والضاد المعجمة والمراد من ذلك كشف الحجاب والمقاولة مع العبد من غير حجاب ولا ترجمان، وبينه الحديث‏:‏ ما منكم من أحد إلا ويكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان الحديث‏.‏ والمعنى خاطبه الله مخاطبة وحاوره محاورة ‏"‏يا فلان‏"‏ بالفتح والضم ‏"‏بن فلانا‏"‏ بنصب ابن وصرف فلان وهما كنايتان عن اسمه واسم أبيه‏.‏ وروى أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء مرفوعاً‏:‏ إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء اياتكم فأحسنوا أسمائكم ‏"‏اتذكر يوم قلت كذا وكذا‏"‏ أي مما لا يجوز في الشرع فكأنه يتوقف الرجل فيه ويتأمل فيما ارتكبه من معاصيه ‏"‏فيذكره‏"‏بتشديد الكاف أي فيعلمه الله ‏"‏بعض غدراته‏"‏ بفتح الغين المعجمة والدال المهملة‏.‏ جمع غدرة بالسكون بمعنى القدر وهو ترك الوفاء والمراد معاصيه لأنه لم يف بتركها الذي عهد الله إليه في الدنيا ‏"‏أفلم تغفر لي‏"‏ أي أدخلتني الجنة فلم تغفر إلى ما صدر لي من المعصية ‏(‏فيقول بلى‏)‏ أي غفرت لك فبسعة مغفرتي بفتح السين ويكسر ‏(‏بلغت‏)‏ أي وصلت ‏"‏منزلتك هذه‏"‏ قال الطيبي‏:‏ عطف على مقدر أي غفرت لك فبلغت بسعة رحمتي هذه المنزلة الرفيعة والتقديم دل على التخصيص أي بلوغك تلك المنزلة كائن بسعة رحمتي لا يعملك ‏(‏فبينما‏)‏ وفي بعض النسخ فبينما وفي بعض النسخ فبينا ‏(‏هم‏)‏ أي على أهل الجنة ‏(‏على ذلك‏)‏ أي على ما ذكر من المحاضرة والمحاورة ‏(‏غشيتهم‏)‏ أي غطتهم ‏(‏فأمطرت عليهم طيباً‏)‏ أي عظيماً ‏(‏قد خفت‏)‏ بتشديد الفاء أي أحاطت ‏"‏ما لم تنظر العيون إلي مثله‏"‏ قال المظهر‏:‏ ما موصولة والموصول مع صلته يحتمل أن يكون منصوباً بدلا من الضمير المنصوب المقدر العائد إلى ما في قوله ما أعددت، ويحتمل أن يكون في محل الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي المعد لكم وقيل أو هو مبتدأ خبره محذوف أي فيها‏.‏

وقال الطيبي رحمه الله‏:‏ الوجه أن يكون ما موصوفه بدلا من سوقاً انتهى وفي بعض النسخ فيه، مالم تنطر العيون إلى مثله وهو ظاهر ‏(‏ولم تسمع الاَذان‏)‏ بمد الهمزة جمع الأذن أي وما لم تسمعه بمثله ‏(‏ولم يخطر‏)‏ بضم الطاء أي وما لم يمر مثله على القلوب ‏(‏فيحمل إلينا‏)‏ أي إلى قصورنا ‏(‏وليس يباع فيها ولا يشترى‏)‏ الجملة حال من ما في اشتهينا وهو المحمول والضمير في يباع عائد إليه ‏(‏وفي ذلك السوق‏)‏ هو يذكر ويؤنث فأنثه تارة ذكره أخرى والتأنيث أكثر وأشهر ‏(‏يلقى‏)‏ أي يرى ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة مرفوعاً حقيقة أو موقوفاً في حكم المرفوع ‏(‏فيقبل‏)‏ من الإقبال أي فيجيء ويتوجه ‏(‏من هو دونه‏)‏ أي في الرتبة والمنزلة ‏(‏فيروعه‏)‏ بضم الراء ‏(‏مايرى‏)‏ أي يبصره ‏(‏عليه من اللباس‏)‏ بيان ما قال الطيبي‏:‏ الضمير المجرور يحتمل أن يرجع إلى من فيكون الروع مجازاً عن الكراهة مما هو عليه من اللباس وأن يرجع إلى الرجل ذي المنزلة‏.‏ فالروع بمعنى الإعجاب أي يعجبه حسنه فيدخل في روعه ما يتمنى مثل ذلك لنفسه، ويدل عليه قوله ‏(‏فما ينقضي آخر حديثه‏)‏ أي ما ألقى في روعه من الحديث وضمير المفعول فيه عائد إلى من ‏(‏حتى يتخيل عليه‏)‏ بصيغة الفاعل‏.‏ وفي نسخة يعني من المشكاة بالبناء للمفعول أي حتى يتصور له ‏(‏ما هو أحسن منه‏)‏ أي يظهر عليه أن لباسه أحسن من لباس صاحبه وذلك أي سبب ما ذكر من التخيل ‏(‏أنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏أن يحزن‏)‏ بفتح الزاي يغتم ‏(‏فيها‏)‏ أي في الجنة‏.‏ فحزن هنا لازم من حزن بالكسر لا من باب بصر فإنه متعد غير ملائم المقام ‏(‏فتتلقانا‏)‏ من التلقي أي تستقبلنا ‏(‏أزواجنا‏)‏ أي من نساء الدنيا ومن الحور العين ‏(‏ويحق لنا‏)‏ قال القاري‏:‏ بكسر الحاء وتشديد القاف وفي نسخة يعني من المشكاة بضم الحاء، ففي المصباح‏.‏ حق الشيء كضرب ونصر إذا ثبت‏.‏ وفي القاموس حق الشيء وجب ووقع بلا شك، وجقه أوجبه لازم ومتعد‏.‏ فالمعنى يوجبنا ويلزمنا، ويمكن أن يكون من باب الحذف والإيصال أي يحق لنا ويليق بنا ‏(‏أن تنقلب بمثل ما انقلبنا‏)‏ أي من الانقلاب بمعنى الانصراف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من رواية عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد‏.‏ وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏ قال وعبد الحميد هو كاتب الأوزاعي مختلف فيه وبقية رواة الإسناد ثقات، وقد رواه ابن أبي الدنيا عن هقل بن زياد كاتب الأوزاعي أيضاً واسمه محمد، وقيل عبد الله وهو ثقة ثبت احتج به مسلم وغيره عن الأوزاعي قال‏:‏ نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة، فذكر الحديث انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق‏)‏ أبو شبيه الكوفي ‏(‏عن النعمان بن يعد‏)‏ الأنصاري الكوفي‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن علي وغيره وعنه ابن أخته أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ولم يرو عنه غيره فيما قال أبو حاتم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن في الجنة لسوقاً‏)‏ أي مجتمعاً ‏(‏ما فيها‏)‏ أي ليس في تلك السوق ‏(‏شري‏)‏ بالكسر والقصر، أي اشتراء ‏(‏ولا بيع‏)‏ والمعنى ليس فيها تجارة ‏(‏إلا الصور‏)‏ بالنصب والرفع أي التماثيل المختلفة ‏(‏فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها‏)‏ أي تشكل بها‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ قال الطيبي‏:‏ الاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا بأن يجعل تبديل الهيئات من جنس البيع والشرى كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوم لا ينفع مال ولا سنون إلا من أتى الله بقلب سليم‏}‏ يعني على وجه وإلا فالمعتمد أن استثناء منقطع ثم قيل يحتمل الحديث معنيين‏:‏ أحدهما أن يكون معناه عرض الصور المستحسنة عليه فإذا اشتهى وتمنى تلك الصورة المعروضة عليه صوره الله سبحانه بشكل تلك الصورة بقدرته، وثانيهما أن المراد من الصورة الزينة التي يتزين الشخص بها في تلك السوق ويتلبس بها ويختار لنفسه من الحلي والحلل والتاج، يقال لفلان صورة حسنة، أي هيئة مليحة، يعني فإذا رغب في شيء منها أعطيه، ويكون المراد من الدخول فيها التزين بها، وعلى كلا المعنيين التغير في الصفة لا في الذات‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ويمكن أن يجمع بينهما ليوافق حديث أنس‏:‏ فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالا، الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ في سنده عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة وهو ضعيف‏.‏ والحديث أخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا‏.‏

1605- باب ما جَاءَ في رُؤْيَةِ الربّ تَبَارَكَ وَتَعالَى

من باب إضافة المصدر على مفعوله‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الْاخرة، ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجثة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثاً وحالا في مكان، وأولوا قوله ‏(‏ناظرة‏)‏ يعني في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة‏}‏ بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى‏.‏ ثم قال‏:‏ وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرثى بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم، فإن كان تعلق العلم بالمعلوم لا العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه وكذلك المرئي، قال‏:‏ وتعلقوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تدركه الأبصار‏}‏ وبقوله تعالى لموسى ‏"‏لن تراني‏"‏ والجواب عن الأول أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعاً بين دليلي الاَيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وعن الثاني المراد أن تراني في الدنيا جمعاً أيضاً ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الْاية، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ اشترط النفاة في الرؤية شروطاً عقلية تخبط بهم المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في تخيط بهم وتحكم، وأهل السنة لا يشترطون شيئاً من ذلك سوى وجود المرئى وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى

2608- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ، عن إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ، عن قَيْسِ بنِ أَبي حَازِمٍ، عن جَرِير بنِ عَبْدِ الله البَجَلِيّ قالَ‏:‏ كُنّا جُلُوساً عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِن اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فافْعَلُوا‏.‏ ثمّ قَرَأَ‏{‏فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2609- حدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلْمَةَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ، عَنْ عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عن صُهَيْبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ ‏{‏لِلّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ‏}‏ قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنّةِ الْجَنّةَ، نَادَى مُنَادٍ إِنّ لَكُمْ عِنْدَ الله مَوْعِداً، قَالُوا أَلَمْ يُبَيّضْ وُجُوهَنَا وَيُنَجّينَا مِنَ النّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنّةَ‏؟‏ قَالُوا بَلَى، فَينكشفُ الْحِجَابُ، قالَ‏:‏ فَوَالله مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئاً أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنَ النّطَرِ إِلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ إِنّمَا أَسْنَدَهُ حَمّادُ بنُ سَلْمَةَ وَرَفَعَهُ‏.‏ وَرَوَى سُلَيْمَانُ بنُ المْغِيرَةِ وحماد بن زيد هَذَا الحَدِيثَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى قَوْلَه‏.‏

2610- حَدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرني شَبَابَةُ بنُ سَوّارٍ، عن إِسْرَائِيلَ عن ثَوَيْرٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِه وَأزواجهِ وَنَعِيِمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى الله مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيّةً، ثمّ قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رُوِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن إِسْرَائِيلَ، عن ثُوَيْرٍ عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفاً‏.‏ وَرَواهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبْجَرَ عن ثُوَيْرٍ، عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفاً‏.‏ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ الله الأَشْجَعِيّ عن سُفْيَانَ عن ثُوَيْرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

2611- حدّثنا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَدُ بنُ الْعَلاَءِ، أخبرنا عُبَيْدُ الله الأَشْجَعِيّ عن سُفْيَانَ عن ثُوَيْرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابنِ عُمَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

2612- حدّثنا مُحَمّدُ بنُ طَرِيفٍ الكُوفِيّ، حدثنا جَابِرُ بنُ نُوحٍ الحمَانِيّ عن الأَعْمَشُ عن أَبِي صَالِحِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تُضَامُونَ في رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ‏؟‏ وتُضَامُونَ في رُؤْيَةِ الشّمْسِ‏؟‏ قَالُوا لاَ، قالَ‏:‏ فَإِنَكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ وَهَكذَا رَوَى يَحْيَى بنُ عِيسَى الرّمْلِيّ، وَغَيْرُ واحِدٍ عن الأَعمَشِ عن أَبِي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَرَوَى عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ عن الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالحٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَحَدِيثُ ابنُ إِدْرِيسَ عن الأَعْمَشِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ‏.‏ وَحَدِيثُ أَبِي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أصَحّ‏.‏

وَهَكَذَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالحٍ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيحٌ أَيْضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كنا جلوساً‏)‏ أي جالسين ‏(‏كما ترون هذا القمر‏)‏ أي المحسوس المشاهد المرئي ‏(‏لا تضامون‏)‏ بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم‏.‏ قال الحافظ وهو الأكثر أي لا ينالكم ضيم وظلم في رؤيته فيراه بعض دون بعض، وروي بفتح التاء وتشديد الميم من التضام بمعنى التزاحم، وبالضم والتشديد من المضامة وهي المزاحمة، وهو حينئذ يحتمل كونه للفاعل والمفعول‏.‏ وحاصل معنى الكل لا تشكون ‏(‏في رؤيته‏)‏ أي في رؤية القمر ليلة البدر‏.‏ قال في جامع الأصول‏:‏ قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في قوله كما ترون كما في التشبيه للمرئي وإنما هو كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي‏.‏ ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم القمر ليلة البدر لا ترتابون ولا تمترون ‏(‏فإن استطعتم أن لا تغلبوا‏)‏ بصيغة المجهول أي لا تصيروا مغلوبين ‏(‏فافعلوا‏)‏ أي ما ذكر من الاستطاعة أو عدم المغلوبية‏.‏ قال القاضي‏:‏ ترتيب قوله إن استطعتم على قوله سترون بالفاء يدل على أن المواظب على إقامة الصلوات والمحافظة عليها خليق بأن يرى ربه، وقوله لا تغلبوا معناه لا تصيروا مغلوبين بالاشتغال عن صلاتي الصبح والعصر، وإنما خصهما بالحث لما في الصبح من ميل النفس إلى الاستراحة والنوم، وفي العصر من قيام الأسواق واشتغال الناس بالممعاملات، فمن لم يلحقه فترة في الصلاتين مع ما لهما من قوة المانع فبالحري أن لا بلحقه في غيرهما ‏(‏ثم قرأ‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم أو جرير ‏(‏فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس الخ‏)‏ أي وصل في هذين الوقتين، وغير عن الكل بالجزء وهو التسبيح المراد به الثناء في الافتتاح المقرون بحمد الرب المشتمل عليه سورة الفاتحة، أو المراد بالتسبيح تنزيه الرب عن الشريك ونحوه من صفات النقصان والزوال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏للذين أحسنوا‏)‏ أي الذين أجادوا الأعمال الصالحة في الدنيا وقربوها بالإخلاص ‏(‏الحسنى‏)‏ أي المثوبة الحسنى وهي الجنة ‏(‏وزيادة‏)‏ أي النظر لوجهه الكريم، ونكرها لتفيد ضرباً من التفخيم والتعظيم بحيث لا يعرف قدرها ولا يكتنه كنهها ‏(‏نادى مناد إن لكم عند الله موعداً‏)‏ أي بقي شيء زائد مما وعده الله لكم من النعم، وفي رواية مسلم يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم ‏(‏وينجنا‏)‏ بتشديد الجيم ويخفف ‏(‏من النار‏)‏ أي دخولها وخلودها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ تقرير وتعجيب من أنه كيف يمكن الزيادة على ما أعطاهم الله تعالى من سعة فضله وكرمه ‏(‏قالوا بلى‏)‏ كذا في النسخ الموجودة قالوا بصيغة الجمع والظاهر أن يكون قال بصيغة الإفراد لأن الضمير يرجع إلى مناد ‏(‏فيكشف الحجاب‏)‏ وزاد مسلم‏:‏ فينظرون إلى وجه الله، والظاهر أن المراد بالحجاب حجاب النور الذي وقع في حديث أبي موسى عند مسلم ولفظه‏:‏ حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قال الطيبي في شرح حديث أبي موسى هذا‏:‏ إن فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلا له وأشعة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتبهت الأبصار وتتحير البصائر فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق إلا احترق ولا منظور إلا اضمحل‏.‏ وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له بما ذكر فقام ذلك المنع الستر الحائل فعبر به عنه، وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار الاَخرة المعدة للبقاء‏.‏ والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق لأنهم هم المحجوبون عنه‏.‏ وحديث صهيب هذا أخرجه أيضاً مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه الخ‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي غيرهما‏:‏ لم يروه هكذا مرفوعاً عن ثابت غير حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر صهيب، وهذا الذي قال هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فقد قدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا وبعضهم مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم بالمتصل وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف، انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثوير‏)‏ بضم المثلثة مصغراً، ابن أبي فاختة، سعيد بن علاقة الكوفي، ضعيف رمي بالرفض من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لمن ينظر إلى جنابه‏)‏ بكسر الجيم جمع جنة أي بساتينه ‏(‏وزوجاته‏)‏ أي نسائه وحوره ‏(‏ونعيمه‏)‏ أي ما يتنعم به ‏(‏وخدمه‏)‏ بفتحتين جمع خادم أي من الولدان ‏(‏وسرره‏)‏ بضمتين جمع سرير ‏(‏مسيرة ألف سنة‏)‏ أي حال كون جنانه وما عطف عليه كائنة في مسافة ألف سنة‏.‏ والمعنى أن ملكه مقدار تلك المسافة، وفي التركيب تقديم وتأخير إذ جعل الاسم وهو قوله لمن ينظر خبراً والخبر وهو أدنى منزلة اسماً اعتناء بشأن المقدم لأن المطلوب بيان ثواب أهل الجنة وسعتها وأن أدناهم منزلة من يكون ملكه كذا ‏(‏وأكرمهم‏)‏ بالنصب عطفاً على أدنى ويجوز الرفع عطفاً على مجموع اسم إن، وخبرها أي أكثرهم كرامة على الله وأعلاهم منزلة وأقربهم رتبة عنده سبحانه ‏(‏غدوة‏)‏ بضم الغين ‏(‏وعشية‏)‏ أي صباحاً ومساء، ولهذا وصى بالمحافظة على صلاتي طرفي النهار كما مر ‏(‏وجوه يومئذ ناضرة‏)‏ أي ناعمة غضة حسنة، والمراد بالوجوه الذوات وخصت لشرفها ولظهور أثر النعمة عليها ‏(‏إلى ربها ناظرة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ قدم صلة ناظرة إما لرعاية الفاصلة وهي ناضرة باسرة فاقرة وإما لأن الناظر يستغرق عند رفع الحجاب بحيث لا يلتفت إلى ما سواء وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضاً أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر الدارقطني والحاكم وابن مردويه والبيهقي‏.‏ وأخرج الترمذي هذا الحديث في تفسير سورة القيامة أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورواه عبد الملك‏)‏ بن سعيد بن حبان ‏(‏بن أبحر‏)‏ بالموحدة والجيم الكوفي، ثقة عابد من السابعة ‏(‏ورواه عبيد الله‏)‏ بن عبيد الرحمن الأشجعي أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة مأمون أثبت الناس كتاباً في الثوري من كبار التاسعة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن طريف‏)‏ بن خليفة البجلي أبو جعفر الكوفي، من صغار العاشرة صدوق ‏(‏حدثنا جابر بن نوح‏)‏ الحماني أبو بشر الكوفي ضعيف من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تضامون‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام، وقد تقدم ضبطه ومعناه في شرح أول أحاديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الشيخان عن أبي هريرة مطولا من وجه آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهكذا روى يحيى بن عيسى الرملي‏)‏ التميمي النهشلي الفافوري الجوار الكوفي صدوق يخطئ ورمي بالتشيع من التاسعة ‏(‏وقد روى عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه‏)‏ وفي بعض النسخ من غير هذا الوجه وهو الظاهر يعني من غير طريق عبد الله بن إدريس عن الأعمش ‏(‏وهو حديث صحيح أيضاً‏)‏ أخرجه الشيخان من طريق عطاء بن يسار عن أبي سعيد مطولا‏.‏

1606- باب

2613- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله يَقُولُ لأِهْلِ الْجَنّةِ يَا أَهْلَ الْجَنّةِ، فَيَقُولُونَ‏:‏ لَبّيْكَ رَبّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ‏:‏ هَلْ رَضِيْتُمْ‏؟‏ فَيَقُولُونَ‏:‏ مَالَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَالَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوَ‏:‏ وَأَيّ شَيْءْ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أُحِلّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَداً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فيقولون لبيك ربنا‏)‏ أي يا ربنا وتقدم تفسير لبيك وسعديك في باب التلبية من أبواب الحج ‏(‏فيقول هل رضيتم‏)‏ أي عن ربكم ‏(‏فيقولون ما لنا لا نرضى‏)‏ الاستفهام للتقرير‏.‏ والمعنى أي شيء مانع لنا من أن لا نرضى عنك ‏(‏وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك‏)‏ الجملة حالية ‏(‏أنا أعطيكم‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ فأنا أعطيكم وفي أخرى له‏:‏ ألا أعطيكم ‏(‏أفضل من ذلك‏)‏ أي من عطائكم هذا ‏(‏وأي شيء أفضل من ذلك‏)‏ أي من عطائك هذا ‏(‏أحل‏)‏ بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة أي أنزل ‏(‏رضواني‏)‏ بكسر الراء ويضم أي دوام رضواني فإنه لا يلزم من كثرة العطاء دوام الرضا ولذا قال ‏(‏فلا أسخط‏)‏ بفتح الخاء المعجمة أي لا أغضب قال الطيبي‏:‏ الحديث مأخوذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر‏}‏ وقال الحافظ‏:‏ فيه تلميح بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ورضوان من الله أكبر‏}‏ لأن رضاء سبب كل فوز وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه وكان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم‏.‏ وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

1607- باب ما جاءَ في تَرَائي أَهْلِ الجَنّةِ في الْغُرَف

2614- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبدُ الله بن المُبَارَكِ، أخبرنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ عن هِلاَلِ بنِ عَلِيٍ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ أَهْلَ الْجَنَةِ لَيَتَرَاءَوْنَ في الغُرْفَةِ كَمَا تَتَراءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشّرْقِيّ أَوْ الْكَوْكَبَ الْغَرْبِيّ الْغَارِبَ في الأُفْقِ أَوْ الطّالِعَ في تَفَاضُلِ الدّرَجَاتِ، فقالوا‏:‏ يا رسولَ الله، أُولَئِكَ النّبِيّونَ‏؟‏ قال‏:‏ بَلَى وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَصَدّقُوا المُرْسَلِينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن هلال بن علي‏)‏ بن أسامة العامري المدني وينسب إلى جده ثقة من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة‏)‏ كذا في حديث أبي هريرة هذا، والمعنى أن أهل الجنة يتراءون أهل الغرفة‏.‏ وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، والغرفة بضم الغين وسكون الراء وهي بيت يبنى فوق الدار، والمراد هنا القصور العالية في الجنة‏.‏ والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى أن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم وقد بين ذلك في الحديث بقوله في تفاضل الدرجات ‏(‏كما يتراءون‏)‏ أي في الدنيا ‏(‏الغارب في الأفق‏)‏ بضمتين جمع الاَفاق أي في أطراف السماء ‏(‏في تفاضل الدرجات‏)‏ وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين لتفاضل ما بينهم‏.‏ قال القاري علة للترائي‏.‏ والمعنى إنما ذلك لتزايد مراتب ما بين سائر أهل الجنة العالية، وما بين أرباب أهل الغرف العالية انتهى ‏(‏فقالوا يا رسول الله أولئك النبيون‏)‏ بحذف حرف الاستفهام أي أهم يعني أهل الغرف النبيون وتلك الغرف منازلهم ‏(‏قال بلى‏)‏ أي نعم ‏(‏وأقرام‏)‏ أي غير النبين ‏(‏آمنوا بالله ورسوله وصدقوا المرسلين‏)‏ أي حق تصديقهم وإلا لكان كل من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرة وليس كذلك‏.‏ ويحتمل أن يكون التنكير في قوله وأقوام يشير إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصفة المذكورة، ولا يلزم أن يكون كل من وصف بها كذلك لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى، وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك، والسر في ذلك أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص ومن لا عمل له، كأن بلوغها إنما هو يرحمه الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد كما في الفتح‏.‏

1608- باب ما جاءَ في خُلُودِ أَهلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّار

2615- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عبدُ العَزِيزِ بنُ محمدٍ، عن الْعَلاَءِ بنِ عبدِ الرّحمنِ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يَجْمَعُ الله النّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثمّ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَبّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ‏:‏ أَلاَ يَتْبَعُ كلّ إِنْسَانٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَه، فَيُمَثّلُ لِصَاحِبِ الصّلِيبِ صَلِيبُهُ، وَلِصَاحِبِ التّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ، وَلِصَاحِب النّارِ نَارُهُ، فَيَتبَعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَيَبْقَى المُسْلِمُونَ فَيَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَبّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ‏:‏ أَلاَ تَتْبَعُونَ النّاسَ‏؟‏ فَيَقُولُونَ‏:‏ نَعُوذُ بِالله مِنْكَ، نَعُوذُ بالله مِنْكَ، الله رَبُنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتّى نَرَى رَبّنَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبّتُهُمْ، قالُوا‏:‏ وَهَلْ نَرَاهُ يا رسولَ الله‏؟‏ قال‏:‏ وَهَلْ تُضَارّونَ في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ‏؟‏ قالُوا‏:‏ لا يَا رسولَ الله، قال‏:‏ فَإِنّكُمْ لا تُضَارّونَ في رُؤيَتِهِ تِلْكَ السّاعَةَ، ثمّ يَتَوَارى ثمّ يَطْلُعُ فَيُعَرّفُهُمْ نَفْسَهُ ثمّ يقولُ‏:‏ أَنَا رَبّكُمْ فَاتّبِعُونِي، فَيَقُومُ المُسْلِمُونَ وَيُوضَعُ الصّرَاطُ فَيَمُرّ عَلَيْهِ مِثْلُ جِيَادِ الْخَيْلِ وَالرّكَابِ وَقَوْلِهِمْ عَلَيْهِ سَلّمْ سَلّمْ، وَيَبْقَى أَهْلُ النّارِ فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ، فَيُقَالُ‏:‏ هَلُ امْتَلأَتِ، فَتَقُولُ ‏{‏هَلْ مِنْ مَزِيدٍ‏}‏ ثُمّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ فَيُقَالُ‏:‏ هَلِ امْتَلأَتِ، فَتَقُولُ‏:‏ ‏{‏هَلْ مِنْ مَزِيدٍ‏}‏ حَتّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا وَضَعَ الرّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا، وَأُزْوِيَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثمّ قالَ‏:‏ قَطٍ، قالت‏:‏ قَطٍ قَطٍ، فَإِذَا أَدْخَلَ الله تَعَالَى أَهْلَ الْجَنّةِ الْجَنّة وَأَهْلَ النّار النّار قال‏:‏ أُتِيَ بِالمَوْتِ مُلَبّبَاً فَيُوقَفُ عَلَى السّورِ الّذِي بَيْنَ أَهْلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّارِ، ثمّ يُقَالُ‏:‏ يا أَهْلَ الْجَنّةِ، فَيَطْلُعُونَ خَائِفِينَ، ثم يُقَالُ‏:‏ يا أَهْلَ النّارِ، فَيَطْلُعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ يَرْجُونَ الشّفَاعَة، فَيُقَالُ لأَهْلِ الْجَنّةِ وَلأَهْلِ النّارِ‏:‏ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا‏؟‏ فَيَقُولُونَ هَؤْلاءِ وَهَؤْلاءِ‏:‏ قَدْ عَرَفْنَاهُ هُوَ المَوْتُ الّذِي وُكّلَ بِنَا، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ ذَبْحَاً عَلَى السّورِ الذي بين الجنة والنار، ثمّ يُقَالُ‏:‏ يا أَهْلَ الْجَنّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ، ويا أَهْلَ النّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2616- حدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا أَبِي عن فُضَيْلِ بنِ مَرْزُقٍ عن عَطِيّةَ عن أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ قال‏:‏ ‏"‏إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أُتِيَ بِالمَوْتِ كَالكَبْشِ الأَملَحِ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ فَيُذْبَحُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، فَلَوْ أَنّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنّةِ، وَلَوْ أَنّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَاتٌ كَثِيِرةٌ مِثْلُ هَذَا مَا يَذْكُرُ فِيهِ أَمْرَ الرّؤْيَةِ أَنّ النّاسَ يَرَوْنَ رَبّهُمْ وَذِكْرُ الْقَدَمِ وَمَا أَشْبَه هَذِهِ الأَشْيَاءَ‏.‏ وَالمَذْهَبُ في هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الائِمَةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وَابنِ المُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنّهُمْ رَوَوْا هَذِهِ الاشْيَاءَ ثم قَالُوا‏:‏ تُرْوَى هَذِهِ الاحَادِيثُ وَنُؤْمِنُ بِهَا ولا يُقَالُ كَيْفَ‏؟‏، وهذا الّذِي اخْتَارَهُ اهلُ الحديثِ ان تُروَى هذِه الاشْياءَ كَمَا جاءَتْ وَيُؤمَنُ بِهَا ولا تُفَسّرُ ولا تتوهم ولا يَقَالُ كَيْفَ، وَهَذا امْرُ اهلِ العِلْمِ الذي اخْتَارُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ‏.‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ في الحديثِ‏:‏ فُيُعَرّفُهُمْ نَفْسَهُ يَعْنِي يَتَجَلّى لَهُمْ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏في صعيد واحد‏)‏ الصعيد الأرض الواسعة المستوية ‏(‏ثم يطلع عليهم رب العالمين‏)‏ قال في القاموس‏:‏ طلع فلان علينا كمنع ونصر أتانا كاطلع انتهى ‏(‏فيمثل لصاحب الصليب صلبيه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ يحتمل أن يكون التمثيل تلبيساً عليهم، ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب‏.‏ وأما من سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم‏}‏، ‏(‏نعوذ بالله منك‏)‏ وعند الشيخين وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ إنما استعاذوا منه أولا لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج، لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله، ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صور‏:‏ أي بصورة لا يعرفونها وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون ‏"‏إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق ‏(‏ثم يتوارى‏)‏ أي يستتر ‏(‏وهل تضارون‏)‏ قال النووي‏:‏ روى تضارون بتشديد الراء وتخفيفها والتاء مضمومة فيهما ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائة كما تفعلون أول ليلة من الشهر، ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ بضم أوله بالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة الضرر وأصله تضاررون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحداً ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة وجاء تخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر، أي لا يخالف بعض بعضاً فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك يقال ضاره يضيره ‏(‏ثم يطلع فيعرمهم نفسه‏)‏ أي يلقي في قلوبهم علماً قطعياً يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى ‏(‏أنا ربكم فاتبعوني‏)‏ وعند الشيخين أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه‏.‏ قال النووي‏:‏ معناه يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، أو يتبعون ملائكته الذين يذهبون بهم إلى الجنة ‏(‏ويوضع الصراط‏)‏ وعند مسلم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم ‏(‏فيمر عليه‏)‏ أي فيمر المسلمون على الصراط ‏(‏مثل جياد الخيل‏)‏‏.‏

قال في القاموس‏:‏ فرس جواد بين الجودة بالضم رائع والجمع جياد وقد، جاد في عدوه جودة انتهى، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ‏(‏والركاب‏)‏ بكسر الراء عطف على الخيل، والمراد بها الإبل ولا واحد له من لفظه ‏(‏وقولهم‏)‏ أي قول المرسل والأنبياء ‏(‏عليه‏)‏ أي على الصراط ‏(‏سلم سلم‏)‏ أمر مخاطب أي يقول كل نبي اللهم سلم أمتي من ضرر الصراط اللهم اجعلهم سالمين من آفاته آمنين من مخافاته وتكراره مرتين المراد به الكثرة أو باعتبار كل واحد من أهل الشفاعة أو للإلحاح في الدعاء كما هو من آدابه‏.‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم‏.‏

قال الحافظ في رواية شعيب‏:‏ ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وفي رواية إبراهيم بن سعد‏:‏ ولا يكلمه إلا الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم‏.‏ ووقع في رواية العلا وقولهم اللهم سلم سلم، وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمنين على الصراط رب سلم سلم، والضمير في الأول للرسل، ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به، بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة، فسمى ذلك شعاراً لهم، فهذا تجتمع الأخبار، ويؤيده قوله في رواية سهيل‏:‏ فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم انتهى ‏(‏ثم يطرح فيها فوج‏)‏ أي من أهل النار ‏(‏فتقول هل من مزيد‏)‏ أي من زيادة ‏(‏حتى إذا أوعبوا فيها‏)‏ من الإيعاب، وهو الاستقصاء في كل شيء ‏(‏وضع الرحمن قدمه فيها‏)‏‏.‏

وفي رواية لمسلم رجله‏.‏ قال القاري مذهب السلف التسليم والتفويض مع التنزيه وأرباب التأويل من الخلف، يقولون المراد بالقدم قدم بعض مخلوقاته فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم أو قوم قدمهم الله للنار من أهلها، وتقدم في سابق حكمه أنهم لاحقوها فتمتلئ منهم جهنم، والعرب تقول كل شيء قدمته من خير أو شر فهو قدم، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن لهم قدم صدق عند ربهم‏}‏ أي ما قدموه من الأعمال الصالحة‏:‏ الدالة على صدقهم في تصديقهم، والمراد بالرجل الجماعة من الجراد وهو وإن كان موضوعاً لجماعة كثيرة من الجراد لكن استعارته لجماعة الناس غير بعيد‏.‏ أو أخطأ الراوي في نقله الحديث بالمعنى، وظن أن الرجل سد مسد القدم، هذا‏:‏ وقد قبل وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع، فكأنه قال يأتيها أمر الله فيكفها من طلب المزيد، وقيل أريد به تسكين فورتها كما يقال للأمر يراد إبطاله وضعته تحت قدمي ذكره في النهاية‏.‏ وفي شرح السنة‏:‏ القدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله المنزهة عن التكييف والتشبيه، وكذلك كل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب أو السنة، كاليد والأصبع والعين والمجيء والإتيان والنزول‏.‏ فالإيمان بها فرض والامتناع عن الخوض فيهخا واجب‏.‏ فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ والمنكر معطل والمكيف مشبه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير انتهى‏.‏

قال القاري‏:‏ وهو الموافق لمذهب الإمام مالك رحمه الله ولطريق إمامنا الأعظم على ما أشار إليه في الفقه الأكبر، فالتسليم أسلم والله تعالى أعلم انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال القاري، فلا شك أن التسليم والتفويض هو الأسلم بل هو المتعين ‏(‏وأزوى بعضها إلى بعض‏)‏ بصيغة المجهول، وفي رواية يزوي أي يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها ‏(‏قالت‏)‏ أي النار ‏(‏قط قط‏)‏ قال النووي‏:‏ معنى قط حسبي أي بكفينين هذا وفيه ثلاث لغات قط قط بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة انتهى والتكرار للتأكيد ‏(‏أتى بالموت‏)‏ أي أحضر به كهيئة كبش أملح كما في حديث أبي سعيد الاَتي ‏(‏ملبياً‏)‏ في القاموس لببه تلبيباً جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره ‏(‏فيطلعون خائفين‏)‏ أي أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ‏(‏فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة‏)‏ أي يرجون أن يشفع لهم فيخرجوا من النار‏.‏ وفي رواية ابن ماجة‏:‏ مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ‏(‏يا أهل الجنة خلود‏)‏ أي هذا الحال مستمر ويحتمل أن يكون جمع خالد أي أنتم خالدين في الجنة ‏(‏لا موت‏)‏ بفتح التاء المثناة أي لا موت في الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه مختصراً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كالكبش الأملح‏)‏ قال القرطبي‏:‏ الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء به كما فدى ولد إبراهيم بالكبش، وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار‏.‏ لأن الأملح ما فيه بياض وسواد‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل، لأن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسماً، فكيف يذبح، فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث، ودفعته وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة‏:‏ بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولى الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم‏.‏ وقال المازري‏:‏ الموت عندنا عرض من الأعراض، وعند المعتزلة ليس بمعنى بل معناه عدم الحياة وهذا خطأ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خلق الموت والحياة‏}‏ فأثبت الموت مخلوقاً وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشاً ولا جسماً وأن المراد بهذا التمثيل والتشبيه ثم قال‏:‏ وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا لأن الموت لا يطرأ على أهل الاَخرة‏.‏ وقال القرطبي في التذكرة‏:‏ الموت معنى، والمعاني لا تنقلب جوهراً، وإنما يخلق الله أشخاصاً من ثواب الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشاً يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلاً على الخلود في الدارين‏.‏ وقال غيره‏:‏ لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجساداً يجعلها مادة لها كما ثبت في مسلم، في حديث أن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هذا القول الأخير هو المعتمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه‏)‏ وهو الحق والثواب، وهو مذهب السلف رضي الله عنهم أجمعين، وهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب‏:‏ فضل الصدقة من أبواب الزكاة‏.‏

1609- باب ما جَاءَ حُفّتِ الْجَنّةُ بالْمَكارِهِ وَحُفتِ النّارُ بالشّهَوَات

2617- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمنِ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن حُمَيْدٍ وَ ثَابِتٍ عن أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏حُفّتِ الْجَنّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفّتِ النّارُ بِالشهوَاتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ صحيحٌ‏.‏

2618- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمانَ عن مُحّمدِ بنِ عَمْرٍو، حدثنَا أَبُو سَلَمَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا خَلَقَ الله الْجَنّةَ وَالنّارَ أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الجَنّةِ، فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدّ الله لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قالَ فَوَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ‏.‏ فَقَالَ وَعِزّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ‏.‏ قالَ اذْهَبْ إِلَى النّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأِهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ وَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ بِالشّهَوَاتِ، فَقَالَ‏:‏ ارْجَعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ‏:‏ وَعِزّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنّ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاّ دَخَلَهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حفت‏)‏ بصيغة المجهول من الحفاف، وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل إليه إلا بتخطيه أي أحيطت، ووقع في صحيح البخاري حجبت ‏(‏بالمكاره‏)‏ أي بما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلاً وتركا، وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه ‏(‏وحفت النار بالشهوات‏)‏ أي ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه إما بالأصالة وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بار تكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا إلى النار إلا بتعاطي الشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات‏.‏ فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر على الشهوات ونحو ذلك‏.‏ وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك‏.‏ وأما للشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن يكره الاكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسى القلب أو يشغل عن الطاعات ونحو ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأخرجه الشيخان عن أبي هريرة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها‏)‏ أي ما هيأت فيها لعبادي الصالحين ‏(‏قال‏)‏ أي جبرئيل ‏(‏فوعزتك‏)‏ الواو للقسم ‏(‏لا يسمع بها أحد إلا دخلها‏)‏ أي طمع في دخولها، وجاهد في حصولها، ولا يهتم إلا بشأنها لحسنها وبهجتها ‏(‏فحفت‏)‏ أي أحيطت ‏(‏بالمكاره‏)‏ جمع كره وهو المشقة والشدة على غير قياس، والمراد بها التكاليف الشرعية التي هي مكروهة على النفوس الإنسانية، وهذا يدل على أن المعاني لها صور حسية في تلك المباني ‏(‏فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها‏)‏ أي ثانياً لما تجدد من الزيادة عليها باعتبار حواليها ‏(‏لقد خفت أن لا يدخلها أحد‏)‏ أي لوجود المكاره من التكاليف الشاقة، ومخالفة النفس وكسر الشهوات ‏(‏لا يسمع بها أحد فيدخلها‏)‏ أي لا يسمع بها أحد إلا فزع منها واحترز فلا يدخلها ‏(‏لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها‏)‏ وفي رواية أبي داود لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها، ومعناها ظاهر‏.‏ وأما رواية الكتاب فلا يظهر معناها إلا أن يجعل إلا بمعنى بل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم كذا في الفتح‏.‏

1610- باب ما جاءَ في احْتِجاجِ الجَنّةِ وَالنّار

2619- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن مُحّمدِ بنِ عَمْرِو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏احْتَجّتِ الجَنّةُ وَالنَارُ فَقَالَتِ الجَنّةُ‏:‏ يَدْخُلُنِي الضّعَفَاءُ وَالمَسَاكِينُ، وَقَالَتَ النّارُ‏:‏ يَدْخُلُنِي الجَبّارُونَ وَالمُتَكَبّرُونَ، فَقَالَ لِلنّارِ‏:‏ أَنْتِ عَذَابِي أَنْتَقِمُ بِكِ مِمّنْ شِئْتُ، وَقَالَ لِلْجَنّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ شِئْتُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏احتجت‏)‏ أي اختصمت كما في رواية للبخاري‏.‏ وفي رواية أخرى له ولمسلم تحاجت ‏(‏يدخلني الضعفاء والمساكين‏)‏ قيل معنى الضعيف ههنا الخاضع لله تعالى بذل نفسه له سبحانه وتعالى ضد المتجبر والمتكبر، وفي رواية للبخاري‏:‏ مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم، هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس، وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات لكنهم بالنسبة إلى عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده، فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح، أو المراد بالحصر في قول الجنة إلا ضعفاء الناس الأغلب ‏(‏يدخلني الجبارون والمتكبرون‏)‏ وفي رواية للشيخين أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين‏.‏ قال القاري‏:‏ هما بمعنى جمع بينهما للتأكيد، وقيل للتكبر للتعظم بما ليس فيه، والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه، وقيل الذي لا يكترث ولا يبالي بأمر الضعفاء والمساكين ‏(‏أنت عذابي‏)‏ أي سبب عقوبتي ومنشأ سخطي وغضبي ‏(‏أنتقم بك ممن شئت‏)‏ وفي رواية للشيخين‏:‏ أعذب بك من أشاء ‏(‏وقال للجنة أنت رحمتي‏)‏ أي مظهرها، في شرح السنة سمي الجنة رحمته لأن بها تظهر رحمة الله تعالى كما قال ‏(‏أرحم بك من شئت‏)‏ وإلا فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفاً، ليست لله صفة حادثة، ولا اسم حادث فهو قديم بجميع أسمائه وصفاته جل جلاله وتقدست أسماؤه‏.‏ قال ابن بطال عن المهلب يجوز أن يكون هذا الخصام حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهماً وكلاماً والله قادر على كل شيء، ويجوز أن يكون هذا مجازاً كقولهم امتلأ الحوض وقال الدارقطني‏:‏ والحوض لا يتكلم وإنما ذلك عبارة عن امتلائه وأنه لو كان ممن ينطق لقال ذلك، وكذا في قول النار ‏(‏هل من مزيد‏)‏ قال‏:‏ وحاصل اختصامهما افتخار أحدهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار أنها بمن ألقى فيها من عظماء الدنيا أبر عند الله من الجنة، وتظن الجنة أنها بمن أسكنها من أولياء الله تعالى أبر عند الله فأجيبتا بأنه لا فضل لإحداهما على الأخرى من طريق من يسكنهما، وفي كليهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا ما اختصت به، وقد رد الله الأمر في ذلك إلى مشيئته وقال النووي‏:‏ هذا الحديث على ظاهره، وأن الله يخلق في الجنة والنار تمييزاً يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج، ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز دائماً انتهى‏.‏

قلت‏:‏ حمل الحديث على ظاهره هو المتعين ولا حاجة إلى حمله على المجاز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1611- باب ما جاءَ مَا لأَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مِن الكَرَامَة

2620- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدِ حدثني عَمْرُو بنُ الْحَارِثِ عن دَرّاجٍ عن أَبِي الهَيْثَمِ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَدْنَى أَهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلَةً الّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوجَةً وتُنْصَبُ لَهُ قُبّةٌ مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الجَابِيَة إِلَى صَنْعَاءَ‏"‏‏.‏ وَبِهَذَا الاْسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدّونَ بنِي ثَلاَثِينَ في الجَنّةِ لاَ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَداً، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النّارِ‏"‏ وَبِهَذَا الاْسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ عَلَيْهِمْ التّيجَانُ إِنّ ادْنَى لُؤلُؤةٍ مِنْهَا لتُضِيءُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفهُ إِلاَ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ‏.‏

2621- حدّثنا أَبُو بَكْرٍ مُحّمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حدثنا أَبِي، عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عن أَبِي الصّدّيقِ النّاجِيّ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُؤمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الجَنّةِ جِمَاعٌ وَلاَ يَكُونُ وَلَدٌ، هَكَذَا رْوَى عن طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْراهيمَ النّخَعِيّ‏.‏ وَقَالَ مُحَمّدٌ‏:‏ قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهيمَ في حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِذَا اشْتَهَى المُؤْمِنُ الْوَلَدُ في الجَنّةِ كَانَ في سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي وَلَكِنْ لاَ يَشْتَهِي‏:‏ قالَ مُحَمّدٌ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ عن أَبِي رَزِينٍ العُقَيِليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ أَهْلَ الجَنّةِ لاَ يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ‏.‏ وَأَبُو الصَدّيقِ النّاجِيّ اسْمُهُ بَكْرُ بنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ بَكْرُ بنُ قَيْسٍ أيْضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أدنى أهل الجنة منزلة‏)‏ أي أقلهم مرتبة ‏(‏الذي له ثمانون ألف خادم‏)‏ قال المناوي‏:‏ أي يعطى هذا العدد أو هو مبالغة في الكثرة ‏(‏واثنتان وسبعون زوجة‏)‏ أي من الحور العين كما في رواية‏.‏ أي غير ماله من نساء الدنيا ‏(‏وتنصب له‏)‏ بصيغة المجهول أي تضرب وترفع له ‏(‏قبة‏)‏ بضم القاف وشد الموحدة بيت صغير مستدير ‏(‏من لؤلؤ‏)‏ بضم اللامين ‏(‏وزبرجد وياقوت‏)‏ قال القاضي‏:‏ يريد أن القبة معمولة منها أو مكللة بها ‏(‏كما بين الجابية‏)‏ قرية بالشام ‏(‏إلى صنعاء‏)‏ قصبة باليمن تشبه دمشق في كثرة الماء والشجر والمسافة بينهما أكثر من شهر‏.‏ والمعنى أن فسحة القبة وسعتها طولا وعرضاً وبعد ما بين طرفيه كما بين الموضعين‏.‏ وإذا كان هذا للأدنى فما بالك للأعلى‏.‏ وهذا الحديث أخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والضياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبهذا الإسناد‏)‏ أي الإسناد السابق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون‏)‏ بصيغة المجهول أي يعودون، وفيه تغليب، لأنه لا رد في الصغير، أو المعنى يصيرون ‏(‏في الجنة‏)‏ متعلق بقوله يردون ‏(‏لا يزيدون عليها أبداً‏)‏ أي زيادة مؤثرة في تغبير أبدانهم وأعضائهم وشعورهم وأشعارهم، وإلا فزمانهم في الجنة يتزايد أبد الاَبدين ‏(‏وكذلك أهل النار‏)‏ أي في العمر وعدم الزيادة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فإن قلت ما التوفيق بين هذا الحديث وبين ما رواه مسلم عن أبي هريرة في باب البكاء صغارهم دعا ميص الجنة أي داخلون على منازلهم لا يمنعون من موضع كما في الدنيا، قلت‏:‏ في الجنة ظرف ليردون وهو لا يشعر أنهم لم يكونوا دعا ميص قبل الرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عليهم‏)‏ أي على رؤوس أهل الجنة ‏(‏التيجان‏)‏ بكسر المثناة الفوقية جمع تاج ‏(‏إن أدنى لؤلؤة منها‏)‏ أي من التيجان ‏(‏لتضيء‏)‏ بالتأنيث‏.‏ قال القاري‏:‏ ولعل وجهه أن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه‏.‏ والمعنى لتنور ‏(‏ما بين المشرق والمغرب‏)‏ فأضاء متعد ويمكن أن يكون لازماً، والتقدير ليضيء به ما بينهما من الأماكن لو ظهرت على الدنيا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ أي كل واحد من الأحاديث الثلاثة المذكورة بالإسناد الواحد غريب ‏(‏لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد‏)‏ وهو ضعيف‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كان حمله‏)‏ أي حمل الولد ‏(‏ووضعه وسنه‏)‏ أي كمال سنه، وهو الثلاثون سنة ‏(‏كما يشتهي‏)‏ من أن يكون ذكراً أو أنثى أو نحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان والدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏قال إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو ابن راهوية ‏(‏ولكن لا يشتهي‏)‏ هذا هو مقول إسحاق بن إبراهيم ‏(‏عن أبي رزين العقيلي‏)‏ صحابي مشهور اسمه لقيط بن صبرة ‏(‏إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد‏)‏ لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللغظ‏.‏ وروى أحمد في مسنده عن أبي رزين العقيلي حديثاً طويلاً وفيه‏:‏ الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد‏.‏

1612- باب ما جَاءَ في كَلاَمِ الْحُورِ الْعَين

أي في غنائهن‏.‏ وقد عقد المنذري في الترغيب فصلا في غناء الحور العين، وأورد فيه أحاديث الباب

2622- حَدّثنا هَنّادٌ وَ أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قَالاَ‏:‏ حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ عن عَلِيّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ في الجَنّةِ لمُجْتَمَعاً لِلحُورِ العِينِ يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعْ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا قال يَقُلْنَ‏:‏ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ، وَنَحْنُ النّاعِمَاتُ فَلاَ نبأَسُ، وَنَحْنُ الرّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنّا لَهُ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ عَلِيّ حَدِيثٌ غريبٌ‏.‏

2623- حدّثنا محمدُ بنُ بشار حدثنا روحُ بنُ عبادَةَ عن الأوزاعي عن يحيى بنِ ابي كثير في قولهِ عزّ وجلّ ‏{‏فَهُمْ في رَوضَة يحْبُروُنْ‏}‏ قال السّمّاعُ‏:‏ ومعنا السّمّاع مثل ما ورد في الحديث أن الحور العين يرفعن بأصواتهن‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن في الجنة لمجتمعاً‏)‏ بفتح الميم الثانية أي موضعاً للاجتماع أو اجتماعاً ‏(‏يرفعن بأصوات‏)‏ الباء الزائدة تأكيد للتعدية، أو أراد بالأصوات النغمات والمفعول محذوف أي يرفعن أصواتهن بأنغام ‏(‏نحن الخالدات‏)‏ أي الدائمات ‏(‏فلا نبيد‏)‏ أي لا تهلك ولا نموت من باد أي هلك وفنى ‏(‏ونحن الناعمات‏)‏ أي المتنعمات ‏(‏فلا نبأس‏)‏ أي لا نفتقر ولا نحتاج‏.‏ قال في القاموس‏:‏ بؤس ككرم بأساً وبئس كسمع بؤساً اشتدت حاجته ‏(‏ونحن الراضيات‏)‏ أي عن ربنا أو عن أصحابنا ‏(‏فلا نسخط‏)‏ في حال من الأحوال ‏(‏طوبى‏)‏ أي الحالة الطيبة ‏(‏لمن كان لنا وكنا له‏)‏ أي في الجنات العاليات‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وأنس‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي عنه موقوفاً، قال‏:‏ إن في الجنة نهراً طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها‏.‏ قلن يا أبا هريرة ما ذاك الغناء قال‏:‏ إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني عنه مرفوعاً ولفظه إن‏:‏ الحور في الجنة يغتين يقلن نحن الحور الحسان هدينا لأزواج كرام‏.‏ قال المنذري وإسناده مقارب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا علي حديث غريب‏)‏ وأخرجه البيهقي‏.‏

1613- باب ما جاءَ في صِفَة أَنْهارِ الْجَنّة

2624- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا الْجُرَيْرِيّ، عن حَكِيمٍ بنِ مُعَاوِيَةَ، عن أَبِيِه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ فِي الْجَنّةِ بَحْرَ المَاءِ، وَبَحْرَ العَسَلِ، وَبَحْرَ الّلبَنِ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ، ثمّ تُشَقّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَحَكِيمُ بنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ وَالِدُ بَهْزٍ بن حكيم، والجريري يُكنّى أَبا مسعود واسمه سعيد بن إِياس‏.‏

2625- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو الأَحْوصِ، عن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ سَأَلَ الله الجَنّةَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ قَالَتْ الجَنّةُ الّلهُمَ أَدْخِلْهُ الجَنّةَ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النّارِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، قَالَتْ النّارُ‏:‏ الّلهُمّ أَجِرْهُ مِنَ النّارِ‏"‏ قال‏:‏ هَكَذَا رَوَى يُونُسُ بن أَبي اسحاق عن أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ عن برَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عن أَنَسٍ بن مالك موقوفاً أَيضاً‏.‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم نَحوَه‏.‏ وقد رُوِيَ عن أَبِي إسْحَاقَ عَن بُرَيد بن أبي مريَمَ عن أنس بن مالك قوله موقوفاً أيضاً‏.‏

2626- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنَا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عن أَبِي اليَقْظَانِ، عن زَاذَانَ، عن عبد الله بنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثَلاَثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ أُرَاهُ قالَ‏:‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَغَبِطُهُمُ الأَوّلُونَ وَالاَخِرُونَ‏:‏ رَجُلٌ يُنَادِي بالصّلَوَاتِ الْخَمْسِ في كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَرَجُلٌ يؤُمّ قَوْماً وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَعَبْدٌ أَدّى حَقّ الله وحَقّ مَوَالِيِه‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديث سُفْيَانَ الثّوْرِيّ‏.‏ وَأَبُو اليَقْظَانِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ، وَيُقَالُ ابنُ قَيْسٍ‏.‏

2627- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ عن أَبِي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، عن الأعْمَشِ عن مَنْصُورٍ، عن رِبْعِيّ بن خراس عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ثَلاَثَةٌ يُحِبّهُمُ الله عَزّ وَجَلّ‏:‏ رَجُلٌ قَامَ مِنَ الّليْلِ يَتْلُو كِتَابَ الله، وَرَجُلٌ تَصَدّقَ صَدَقَةً بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا، أُرَاهُ قال مِنْ شِمَالِهِ، وَرَجُلٌ كَانَ في سَرِيّةٍ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْعَدُوّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ وهو غَيْرُ مَحْفوظٍ‏.‏ والصّحِيحُ مَا رَوَى شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ عن مَنْصُورٍ، عن رِبْعِيّ بنِ خِرَاشٍ، عن زَيْدِ بنِ ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَأَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ كَثِيرُ الغَلَطِ‏.‏

عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكِ قَوْلُهُ‏.‏

2628- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، وَ مُحمّدُ بنُ المَثَنّى، قَالاَ‏:‏ حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرنَا شُعْبَةُ عن مَنْصُورِ بنِ المُعْتَمِرِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رِبْعِيّ بنَ خِرَاشٍ يُحَدّثُ عَنْ زَيْدِ بنِ ظَبْيَانَ يرَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏ثَلاَثَةٌ يُحبِهُمُ الله وثَلاَثَةٌ يُبْغِضُهُمُ الله، فَأَمّا الّذِينَ يُحِبّهُمُ الله فَرَجُلٌ أَتَى قَوْماً فسَأَلَهُمْ بِالله، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ فَتَخَلّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِراً لاَ يَعْلَمُ بِعَطِيّتِهِ إِلاّ الله وَالّذِي أَعْطَاهُ‏.‏ وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتّى إِذَا كَانَ النّوْمُ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِمّا يُعْدَلُ بِهِ فَوَضَعُوا رُؤُسَهُمْ فَقَامَ أحدهم يَتَمَلّقُنِي وَيَتْلُو آياتِي، وَرَجُلٌ كَانَ في سَرِيّةِ فَلَقِيَ العَدُوّ فَهُزِمُوا، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ‏.‏ وَالثّلاَثَةُ الّذِينَ يُبْغِضُهُمْ الله‏:‏ الشّيْخُ الزّانِي، وَالفَقِيرُ المُخْتَالُ، وَالْغَنِيّ الظّلُومُ‏"‏‏.‏

2629- حدّثنا مَحْمُود بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا النّضْرِ بنُ شُمَيْلٍ عن شُعْبَةَ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

وَهَكَذَا رَوَى شَيْبَانُ عن مَنْصُورٍ نَحْوَ هَذَا‏.‏ وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ‏"‏‏.‏

2630- حَدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أَخْبَرنَا عُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ، أَخْبَرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر، عن خبِيبِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ جَدّهِ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يُوشِكُ الفُرَاتُ يَحْسِرُ عن كَنْزِ مِنْ ذّهَبِ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2631- حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشْجّ، حدثنَا عُقبَةُ بنُ خَالِدٍ، حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر عن أَبِي الزّنَادِ عن الأَعْرَجِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاّ أَنّهُ قَالَ ‏"‏يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الجريري‏)‏ بضم الجيم هو سعيد بن إياس ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي معاوية بن حيدة وهو جد بهز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يريد بالبحر مثل دجلة والفرات ونحوهما، وبالنهر مثل نهر معقل حيث تشقق من أحدهما ثم منه تشقق جداول‏.‏ وقال القاري‏:‏ قد يقال المراد بالبحار هي الأنهار، وإنما سميت أنهاراً لجريانها بخلاف بحار الدنيا، فإن الغالب منها أنها في محل القرار ‏(‏ثم تشقق‏)‏ بحذف إحدى التاءين من باب التفعل، ويحتمل أن يكون يصيغة المجهول من التشقيق ‏(‏بعد‏)‏ أي بعد دخول أهل الجنة الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبيهقي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من سأل الله الجنة‏)‏ بأن قال‏:‏ اللهم إني أسالك الجنة، أو قال اللهم أدخلني الجنة ‏(‏ثلاث مرات‏)‏ أي كرره في مجالس أو مجلس بطريق الإلحاح على ما ثبت أنه من آداب الدعاء ‏(‏قالت الجنة‏)‏ ببيان الحال أو بلسان القال لقدرته تعالى على إنطاق الجمادات وهو الظاهر ‏(‏اللهم أدخله الجنة‏)‏ أي دخولا أولياً أو لحوقاً آخرياً ‏(‏ومن استجار‏)‏ أي استحفظ ‏(‏من النار‏)‏ بأن قال اللهم أجرني من النار ‏(‏قالت النار اللهم أجره‏)‏ أي احفظه أو أنقذه ‏(‏من النار‏)‏ أي من دخوله أو خلوده فيها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وفي وضع الجنة والنار موضع ضمير المتكلم تجريدونوع من الالتفات انتهى‏.‏ وحديث أنس هذا أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يغبطهم الأولون والاَخرون‏)‏ أي يتمنون أن لهم مثل ما لهم‏.‏ والحديث قد تقدم في باب فضل المملوك صالح من أبواب البر والصلة، وتقدم هناك شرحه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر ‏(‏عن ربعي‏)‏ هو ابن خراش العبسي الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرفعه‏)‏ أي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقل هذا الأوهم أن يكون الحديث موقوفاً على ابن مسعود لقوله بعده ‏(‏قال ثلاثة‏)‏ ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏رجل قام من الليل‏)‏ أي للتهجد فيه ‏(‏يتلوا كتاب الله‏)‏ أي القرآن في صلاته وخارجها ‏(‏بيمينه‏)‏ وفيه إيماء إلى الأدب في العطاء بأن يكون باليمين رعاية للأدب وتفاؤلا باليمن والبركة ‏(‏يخفيها‏)‏ أي يخفي تلك الصدقة غاية الإخفاء خوفاً من السمعة والرياء مبالغة في قصد المحبة والرضاء ‏(‏أراه‏)‏ بضم الهمزة من الإرادة، أي أظنه ‏(‏من شماله‏)‏ أي يخفيها من شماله أريد به كمال المبالغة ‏(‏ورجل كان في سرية‏)‏ أي في جيش صغير ‏(‏فاستقبل العدو‏)‏ أي وقاتلهم لتكون كلمة الله هي العليا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد الله بن عمر‏)‏ بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري ‏(‏عن خبيب بن عبد الرحمن‏)‏ هو خال عبيد الله بن عمر العمري ‏(‏عن جده‏)‏ أي عبيد الله بن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوشك الفرات‏)‏ كغراب، النهر المشهور وهو بالتاء ويقال يجوز بالهاء كالتابوت والتابوه والعنكبوت والعنكبوه ذكره الحافظ وقال في القاموس‏:‏ الفرات الماء العذب جداً ونهر بالكوفة ‏(‏يحسر‏)‏ قال النووي‏:‏ هو بفتح الياء المثناة تحت وكسر السين، أي ينكشف لذهاب مائة ‏(‏فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً‏)‏ هذا يشعر بأن الأخذ منه ممكن، وعلى هذا فيجوز أن يكون دنانير، ويجوز أن يكون قطعاً ويجوز أن يكون تبراً، والذي يظهر أن النهي عن أخذه من الفتنة والقتال عليه‏.‏ وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتل عليه الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو‏.‏ وأخرج مسلم أيضاً عن أبي بن كعب قال‏:‏ لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله‏.‏ قال فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان في الفتن، وأبو داود في الملاحم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إلا أنه قال يحسر عن جبل من ذهب‏)‏ يعني أن الروايتين اتفقتا إلا في قوله كنز‏.‏ فقال الأعرج جبل، وتسميته كنزاً باعتبار حاله قبل أن ينكشف وتسميته جبلا للإشارة إلى كئرته، ويؤيده ما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه‏:‏ تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود

- قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن ظبيان‏)‏ بفتح المعجمة بعدها موحدة ساكنة الكوفي مقبول من الثانية‏.‏ قاله الحافظ في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن أبي ذر وعنه ربعي بن حراش روى له الترمذي والنسائي حديثاً واحداً ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم‏.‏ قال ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج هو وابن خزيمة به في الصحيح انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأما الذين يحبهم الله فرجل‏)‏ أي معطى رجل ‏(‏أتى قوماً فسألهم بالله‏)‏ أي مستعطعاً بالله قائلاً‏:‏ أنشدكم بالله أعطوني ‏(‏ولم يسألهم لقرابة‏)‏ أي ولم يقل أعطوني بحق قرابة ‏(‏فمنعوه‏)‏ أي الرجل العطاء ‏(‏فتخلف رجل بأعيانهم‏)‏ قال القاري‏:‏ الباء للتعدية، أي بأشخاصهم وتقدم‏.‏ وقيل أي تأخر رجل من بينهم إلى جانب حتى لا يروه بأعيانهم من أشخاصهم‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ أي ترك القوم المسئول عنهم خلفه فتقدم فأعطاء سراً، والمراد من الأعيان الأشخاص أي سبقهم بهذا الخير فجعلهم خلفه، وفي رواية الطبراني‏:‏ فتخلف رجل عن أعيانهم، وهذا أشبه معنى والأول أوثق سنداً‏.‏ والمعنى أنه تخلف عن أصحابه حتى خلا بالسائل فأعطاه سراً ‏(‏ولا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه‏)‏ تقرير لمعنى السر ‏(‏وقوم‏)‏ أي وقائم قوم ‏(‏أحب إليهم‏)‏ أي ألذ وأطيب ‏(‏مما يعدل به‏)‏ أي من كل شيء يقابل ويساوي بالنوم ‏(‏فوضعوا رؤوسهم‏)‏ أي فناموا ‏(‏قام رجل‏)‏ أي من النوم ‏(‏يتملقني‏)‏ أي يتواضع لدي ويتضرع إلى‏.‏ قال الطيبي‏:‏ والملق بالتحريك الزيادة في التودد والدعاء والتضرع، قيل دل أول الحديث على أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم وآخره على أنه من كلامه تعالى، ووجه بأن مقام المناجاة يشتمل على أسرار ومناجاة بين المحب والمحبوب‏.‏ فحكى الله لنبيه ما جرى بينه وبين عبده فحكى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لا بمعناه إذ لا يقال يتملق الله وليس هذا من الالتفات في شيء كذا في المرقاة ‏(‏ويتلو آياتي‏)‏ أي يقرأ ألفاظها ويتبعها بالتأمل في معانيها ‏(‏فهزموا‏)‏ أي أصحابه ‏(‏فأقبل بصدره‏)‏ أي خلا من ولي دبره بتولية ظهره ‏(‏حتى يقتل أو يفتح له‏)‏ أي حتى يفوز بإحدى الحسنيين ‏(‏الشيخ الزاني‏)‏ يحتمل أن يراد بالشيخ الشيبة ضد الشاب وأن يراد به المحصن ضد البكر كما في الاَية المنسوخة الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ‏(‏والفقير المختال‏)‏ أي المتكبر ‏(‏والغني الظلوم‏)‏ أي كثير الظلم في المطل وغيره، وإنما خص الشيخ وأخويه بالذكر لأن هذه الخصال فيهم أشد مذمة وأكثر نكرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم‏.‏